منها- كذلك- أن سوّت بينه وبينهم، فقدّم نفسه أولا، ثم قدّمهم هم ثانيا..
هكذا:
«أدعوكم إلى النجاة.. وتدعوننى إلى النار..»
«تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ.. وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ» هذا ما ينكشف من هذا النظم للنظرة الأولى.. ووراء هذه النظرة نظرات ومعطيات.. لا حدود لها..
قوله تعالى:
«لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ» هو تعقيب من الرجل المؤمن، على هذا الموقف الذي بينه وبين قومه..
إن ما يدعونه إلى عبادته من آلهتهم: «لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ» ..
إنه لا يسمع دعاء داع ولا يستجيب له، سواء أكان ذلك فى هذه الدنيا، أو فى الآخرة.. وأصل لا جرم من الجرم.. وهو بهذا التركيب، للنهى: أي لا تجرموا، مثل قوله تعالى: «لا مِساسَ» ومثل الحديث الشريف: «لا ضرر ولاضرار» .
وقوله تعالى: «وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ» - أي مرجع جميع المخلوقات إلى الله، فهو المالك لها وحده، يبسطها ويقبضها، وينشرها ويطويها.. وأن الناس جميعا سيرجعون إلى الله، للحساب والجزاء فى الآخرة.. «وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ» .. حيث يلقون جزاء كفرهم، وضلالهم، وإسرافهم على أنفسهم..
هذا، ولم يذكر هنا جزاء المحسنين، وهو الفوز بالجنة ونعيمها.. وذلك