إنهم الذين أسرفوا على أنفسهم، وجاروا عليها بهذه الأوزار التي حمّلوها إياها.. فيالطف الله، ويا لسعة كرمه.. وعظيم مننه، وجليل إحسانه!! وقوله تعالى: «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» هو اليد البرة الرحيمة الحانية التي يربت الله بها على هؤلاء المذنبين العصاة، بمجرد أن يلتفتوا إلى هذا النداء الرحيم اللطيف: «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» .. إنها قريبة منكم، دانية لأيديكم.. فهيا أقبلوا عليها، واستظلوا بظلها، واقطفوا ما تشاءون من ثمرها..

وفى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» .. شحنة من النور تضىء ظلام هذه النفوس التي تنظر إلى الله سبحانه وتعالى من خلال هذا الضباب المنعقد من اليأس حولها، وهى تذكر بشاعة جرائمها، وشناعة آثامها، وتحسب- جهلا وضلالا- أن ذنوبها أكثر من أن تغفر، وأن جرائمها أكبر من أن يتجاوز لها عنها.. وكلّا.. فإن ذلك ظن سيىء بالله:

«إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» مهما تكن بشاعتها وشناعتها.. «إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» فما أعظم مغفرته، وما أوسع رحمته.. والله سبحانه وتعالى يقول: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» (156: الأعراف) !! فأى عذر لمذنب بعد هذا البلاغ المبين، إذا هو لم يسع إلى الله، ويغتسل فى بحر رحمته، من أدرانه، ويتطهر من ذنوبه؟

وأي عذر لمجرم بعد هذا النداء الكريم الرحيم، إذا هو لم يمدّ يده إلى ربّه، ليقيل عثرته، ويحمل عنه وزره؟

«يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015