الأصنام وسائل يتوسلون بها إلى مرضاة الله، ويرجون بها الشفاعة عنده، ويقولون لمن يحاجّهم فيها: «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» (3: الزمر) فهم- مع اعترافهم بأن هذه الأصنام ليست الإله الخالق الرازق، المالك لما فى السموات والأرض- مع اعترافهم هذا- لا يوجهون وجوههم إلى الله مباشرة، بل يجعلون بينهم وبين الله من يتولى الاتصال بالله عنهم، والشفاعة لهم فيما يريدون من الله، من جلب خير، أو دفع ضرّ.. وهذا ضلال من وجوه:
فأولا: أن الإنسان- من حيث هو إنسان- مخلوق كريم عزيز بين مخلوقات الله.. قد أحسن الله خلقه، وأمر الملائكة بالسجود له، وأقامه خليفة له فى الأرض..
وهذه منزلة عالية، ودرجة رفيعة، جدير بالإنسان أن يقيم وجوده فيها، ويطلب من الله الاستزادة منها.. وذلك بدوام الاتصال بالله، وطلب القرب منه، بالولاء المطلق لله، والإخلاص فى عبادته، والاجتهاد فى طاعته..
وفى تخلّى الإنسان عن هذا المقام، وإسلام زمامه لغيره، من دمى وأشباه دمىّ، لتقوده إلى الله- فى هذا نزول بالإنسان عن منزلته، واعتراف منه بأنه ليس أهلا لها..
وثانيا: أن الله- سبحانه- الذي كرم الإنسان، جعل طريقه إليه مفتوحا ليس عليه خزنة أو حجاب وذلك حتى يتحرر الإنسان من التبعية لأى مخلوق، تلك التبعية التي يسلم فيها وجوده العقلي والروحي لغيره، فيفقد بذلك ذاتيته، ويصبح كائنا مسلوب الإرادة، يتحرك بإرادة غيره، فيقاد، كما يقاد الحيوان.