وأعجب ما فى الموقف هنا، أن الخصمين يتفقان على هذا الأمر، ويقفان موقفا واحدا فيه، حتى لكأن كلا منهما قد وقع فى نفسه، ما وقع فى نفس صاحبه، من اتهام لداود فى عدله! .. والقضية- كما سنرى- واضحة لا تحتاج إلى نظر دقيق فى التعرف على وجه الحق فيها.. إذ كان الظلم فيها صارخا، يكاد يمسك بتلابيب أحدهما.. فكيف يساغ لهذا الظالم ذلك الظلم الصارخ، أن يطلب العدل، وأن يتشدد فى طلبه؟ إن فى القضية لأشياء وأشياء، تخرج بها عن مألوف ما يجرى بين الناس من قضايا، وما يقع من خصومات.
فما القضية؟.
إنها قضية موجزة، واضحة، قد جمعها القرآن الكريم فى كلمات:
«إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ» !!.
هذه هى القضية:
أخوان فى النسب، أو فى الإنسانية، لأحدهما تسع وتسعون نعجة، وللآخر نعجة واحدة.. وصاحب التسع والتسعين نعجة، لا يقنع بما فى يده، بل يمدّ عينه إلى أخيه صاحب النعجة الواحدة، ثم لا يزال به حتى يسلبه نعجته، ويخلى يديه من كل شىء، حتى يصبح هو صاحب مائة.. فيكمل بتلك النعجة ما يراه نقصا فى تمام العدد.. وإن تسعا وتسعين عدد ناقص، ومائة عدد كامل.. فلا بد إذن أن يكملّ هذا العدد، ولو كان بحرمان صاحب النعجة الواحدة، من نعجته..!
وماذا يفعل صاحب القليل بقليله هذا؟ إنه لا غناء له فيه، وإنه ليسدّ خللا فيما بين يدى صاحب الكثير، ويكمل نقصا واضحا فيه.. فماذا عليه