عند الله.. وفى هذا يقول الله تعالى: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ» (253: البقرة) .. ولو أنهم كانوا على الكمال المطلق، لكانوا درجة واحدة.. ولكنهم- على حدود الكمال البشرى- فى أعلى منازله.. وهم فى هذه الحدود، درجات ومنازل..
وثانيا: ليس هذا التأويل الذي ذهبنا إليه فى قوله تعالى: «وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» - من أنه ليس مرادا به التأسى به، وإنما المراد هو تخطّى هذا الحد الذي وقف عنده داود عليه السلام وتجاوزه، فى مقام الصبر، والعزم- نقول ليس هذا التأويل بالذي ينقص من قدر هذا النبي الكريم، وإنما هو وضع له فى المقام الكريم الذي وضعه الله فيه، وإن كان فوق هذا المقام مقامات ومقامات!!.
وهذا كلام قد لا يهضمه كثير من أهل العلم، أو أدعياء العلم.. ويعدّونه تطاولا على مقام الأنبياء، وعدوانا على عصمتهم.. ومن يدرى فقد يذهب ببعضهم الشطط إلى أن يقولوا إن هذا كفر!! ونقول لهؤلاء مهلا.. فإننا على الإيمان بالله وبرسل الله، وعلى التوقير لهم، والصلاة والسلام عليهم..
ومع هذا، فإننا سنقول هذا القول، لأنه مما تنطق به آيات الله، وتجرى عليه سنة الحياة البشرية، وترضاه العقول السليمة، وتطمئن إليه القلوب المؤمنة.
ثم نسأل: إذا كان ما قلناه فى تأويل الآية الكريمة، مما يعدّ تطاولا على مقام هذا النبي الكريم.. فماذا عند من ينكر هذا التأويل- من تأويل لقوله تعالى للنبى صلوات الله وسلامه عليه: «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» (48- 50: القلم) ..
ماذا فى تأويل قوله تعالى: «وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ» ؟ أليس فى هذا