وقوله تعالى: «وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» أي واذكر فى هذا المقام الذي تدعى فيه إلى الصبر- «اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ.. إِنَّهُ أَوَّابٌ» ففى ذكره فى هذا المقام ما تجد فيه الروح الأنس، لما يتمثل لك من سيرته، التي يقصها الله عليك..
والأيد: القوة.. وهى مأخوذة من اليد، التي تتمثل فيها قوة الإنسان الجسدية.. ثم إنها ليست يدا واحدة، بل أيديا كثيرة.. وإذن فهى قوة خارقة..
والقوة هنا ليست قوة جسدية- وحسب- بل هى قوة روحية ونفسية أيضا، تشتمل على طاقات عظيمة، من الصبر على المكاره، واحتمال الشدائد..
والأوّاب: كثير الأوب، والأوب هو الرجوع إلى المكان الذي كان منه الذهاب.. فهو رجوع بعد ذهاب.. وقد غلب الأوب على المعنويات، كما غلب الإياب على الماديات..
والمراد بالرجوع هنا، الرجوع إلى الله، والاستقامة على طريقه، بعد ميل عنه.. فالأواب: هو الراجع إلى الله مرة بعد مرة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً» (25: الإسراء) .
والسؤال هنا هو:
لماذا كان داود عليه السلام هو المثل الذي يقيمه النبي- صلوات الله وسلامه عليه- بين عينيه، وهو بشدّ عزمه بالصبر على ما يقول قومه من زور وبهتان فيه؟ وهل فى داود- عليه السلام- فصل خاص فى هذا المقام، لم يبلغه الأنبياء؟ إن القرآن يحدثنا عن إسماعيل، وإدريس، وذى الكفل، على أنهم المثل البارز فى الصبر الكامل.. فيصفهم سبحانه بالصبر، مجتمعين، فيقول