وإن كان فى الطريق إلى هذه الغاية، بما أخذ به من تربية وتأديب من ربّه! ..
فلقد نبذه الله سبحانه بالعراء، ولو شاء سبحانه، لكساه سندسا وحريرا..
ولكن هكذا كانت إرادة الله فيه، أن يخرجه من الدنيا عاريا، كما خرج من قومه هاربا.. ولقد أظلّه- سبحانه- بشجرة من تلك الأشجار التي تنبسط أوراقها على سطح الأرض، فيضطر المستظل بها إلى أن يضع خذه على الأرض!.
وهذا كلّه أدب سماوى لعبد من عباد الله المكرمين.. وهو أدب فيه معاناة ذاتية، وتعمل لها أجهزة الإنسان كلها، من جسمية وعقلية، وروحية..
ولو شاء سبحانه- لما أدخل عبده يونس فى هذه التجربة، ولكنه- سبحانه- قضت إرادته- جلّ وعلا- أن يقوم كل كائن بما أودع فيه من قوّى..
ففى ذلك تحقيق لذاته، وإثبات لوجوده.. والإنسان من بين الكائنات كلها، النصيب الأوفى فى هذا المجال، فذلك من مقتضى الأمانة التي حملها الإنسان، والتي أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها!.
قوله تعالى:
«وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» ..
وهذا الإرسال، هو بعد تلك التجربة، فهو إرسال متجدد، بعد أن ليس يونس عزما جديدا، ومشاعر جديدة.. وكأنه بهذا يبدأ الرسالة من جديد!.
وقوله تعالى: «إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» - هو التحديد الحق، الذي يضبط أعداد تلك الجماعة.. فهى ليست مائة ألف، بل إنها نزيد على مائة