حديثه إليهم حين جاء يدعوهم إلى عبادة الله، وترك ما يعبدون من أصنام..
والذي أقام المفسرين على هذا الرأى- فى نظرنا- هو هذا العطف بالفاءات، المتلاحقة.. «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ. فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ» .. ولأن فاء العطف تفيد الترتيب والتعقيب- هكذا يقول النحاة- فقد جعلوا هذه الأحداث، حدثا واحدا، يضمها مجلس واحد، ويحتويها ظرف واحد من الزمان، لا تتخلله أحداث!.
ولو نظر المفسرون إلى أبعد من مقررات القواعد النحوية الضيقة، لرأوا أن بين الحدث والحدث هنا أزمانا ممتدة، قد تكون أياما، وقد تكون سنين.. فالتعقيب هنا ليس هو التعقيب الفوري، ولو كان ذلك لكانت رؤية إبراهيم للنجم، وللقمر، وللشمس، فى ليلة واحدة، مع أن هذا غير وارد ولا معقول.. فقد يكون إبراهيم رأى النجم، ورصد تحركاته ليالى كثيرة، ثم تركه وصحب القمر أياما وشهورا.. وكذلك الشمس.. حتى وصل إلى هذا الحكم الذي قضى به فى شأنها جميعا..
قوله تعالى:
«فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ» .
ليس التولّي هنا، بعد نظرة إبراهيم نظرته فى النجوم- كما يذهب إلى ذلك أكثر المفسرين- وإنما كان توليهم عنه هو نهاية المطاف فى دعوته لهم، ومحاجّتهم له.. فقد انتهى الأمر بينه وبين قومه إلى اليأس منهم أن يؤمنوا، وإلى اليأس منه أن يعبد ما يعبدون.. «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ» .