«قالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ» ..
ولا يجد صاحبهم ما يقوله لصاحبه، إلا أن يتبرأ منه فى الآخرة، كما تبرأ منه فى الدنيا.. إنه ينظر إليه غير راحم، إذ كان- لولا رحمة الله به، وإحسانه إليه- لو اتبعه، وأخذ طريقه معه، أن يكون قرينه فى هذا البلاء الذي يعانيه، وهذا العذاب الذي يكتوى بناره!.
«أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ» .
وإنه، وقد أمسك بهذا النعيم العظيم، الذي يخيل إليه- من عظمته، وطيبه- أنه فى حلم يخشى أن يستيقظ منه إنه ليسأل أصحابه هذا السؤال الذي يريد أن يعرف به، هل هو فى حقيقة أم فى حلم: «أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ؟» أحقا لا نموت بعد هذا ولا نفارق هذا النعيم الذي نحن فيه؟ إنه ليعلم هذا يقينا، ولكن يريد علما يثبّت علمه، ويقينا يؤكد يقينه..
وفى قوله: «إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى» هو استثناء داخل فى عموم المستفهم عنه، وهو الموت.. أي أفما نموت إلا هذه الموتة الأولى التي بعثنا منها؟ ألا يكون بعد هذا البعث موت.. ثم بعث..؟ ثم إذا كانت هذه الموتة هى آخر موتة، وكان هذا البعث آخر بعث- فهل نظلّ على حالنا هذه من النعيم الذي نحن فيه؟ ألا تتغير بنا الأحوال، كما كان شأننا فى الحياة الدنيا؟ ألا يمكن أن تتبدل حالنا، فنعذب كما يعذّب هؤلاء المعذّبون فى النار؟
إن هذا كلّه يكشف عن أمرين:
أولهما: ما يجد أصحاب الجنّة من نعيم عظيم، لم يقع فى تصوراتهم، ولم يطف بخيالهم.. فهم يحرصون عليه أشدّ الحرص، ويتمنّون الخلود فيه، وقد