هؤلاء، كانوا يأتونهم من جهة اليمين، أي من جهة الهدى، فيحولون بينهم وبين سلوك هذا الطريق، ويدفعون بهم إلى طرق الضلال.. ومثل هذا قوله تعالى، على لسان إبليس- لعنه الله-:
«ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ» (17: الأعراف) ويجوز أن يكون الإتيان عن اليمين، كناية عن جهة النصح والإرشاد، حيث كانت جهة اليمين جهة اليمن والاستبشار، ولكنه نصح إلى ضلال، وإرشاد إلى هلاك.
قوله تعالى:
«قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ» .
هو ردّ المتبوعين على تابعيهم.. وفيه دفع لهذا الاتهام الذي اتهموهم به..
«لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» ، أي لم نجدكم مؤمنين حتى صرفناكم عن الإيمان..
ثم إننا لم نحملكم حملا على الكفر، ولم نقهركم عليه بسلطان لنا عليكم..
فإنه لا سلطان لأحد على القلوب والضمائر، حيث هى مستقرّ الإيمان، ومستودعه.. بل إنكم كنتم منحرفين بطبيعتكم عن طريق الحق، وأهل بغى، وعدوان، وطغيان..
قوله تعالى:
«فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ» .
أي وجب علينا قضاء ربنا فينا أن نكون من أصحاب النار، وأن نذوق عذابها. فهذا حكم الله علينا، وإرادته فينا.. وإنه لا مفرّ لنا من هذا المصير..