سبحانه وتعالى من علم، وأنهم لو علموا بعض مالله من قدرة، وعلم، وسلطان، لخافوا بأسه، ولما جرءوا على عصيانه، إذ لا يجرؤ على مخالفة أمر ذى الأمر، والخروج على سلطان ذى السلطان، إلا من وقع في تصوره أن عين صاحب الأمر لا تراه، أو أن سلطان ذى السلطان لا يقدر عليه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ» (22- 23: فصلت) قوله تعالى:
«يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ» .
هذه الآية، هى شرح وبيان لصفة «الخبير» التي وصف الحق بها ذاته، فى قوله تعالى: «وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ» .
فالخبير، هو العالم علما كاشفا لكل شىء.. وعلم الله هو العلم الكامل كمالا مطلقا، حيث تنكشف به حقائق الأشياء كلها، إذ كان كل شىء هو صنعة الله، من مبدأ وجود المخلوق إلى كل ما يطرأ عليه من تبدل وتحول في كل لحظة من لحظات الزمن.. ولهذا وصف علم الله بالخبرة، إذ كان علما عاملا، بحيث لا يقع شىء في الوجود إلا عن علم، وعن تقدير بمقتضى هذا العلم.. فكان علمه سبحانه على هذا التمام والكمال: «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (14: الملك) - وفي قوله تعالى: «يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها» . إشارة إلى بعض علم الله، فيما بين أيدى الناس، وهو هذا العالم الأرضى الذي يعيشون