ذكرا كثيرا بلسانه، دون أن يتصل شىء من هذا الذكر بعقله أو قلبه، ودون أن يظهر لذلك أثر في قوله أو فعله..
وأوضح من هذا أن هذه الأوصاف يغذّى بعضها بعضا، ويمسك بعضها ببعض، فتبدو كأنها صفة واحدة، إذا نظر إليها باعتبار، وتبدو كأنها أوصاف إذا نظر إليها باعتبار آخر.. إنها أشبه بالجسد الحىّ.. إذا نظرت إليه مجملا وجدت ذلك الإنسان، المشخّص بذاته، وصفاته، وإذا نظرت إليه مفصلا، وجدته ذلك الإنسان المشخّص بذاته وصفاته.. وملاك الحياة في هذا الجسد هو القلب، كما أن ملاك تلك الأوصاف، هو الإيمان المستقر فى هذا القلب! والسؤال الثاني، الذي يلقانا من هذه الآية الكريمة، هو: هل هذا الجمع لتلك الصفات منظور فيه إلى شىء أكثر من مجرد الجمع والحصر، دون مراعاة للترتيب، والتقديم والتأخير؟ وإذا كان هناك نظر إلى أكثر من مجرّد الجمع والحصر، فهل هذا الترتيب تصاعدى أم تنازلى؟
والجواب- والله أعلم- أن جمع هذه الأوصاف إنما هو من تدبير الحكيم العليم، وتعالت حكمة الله، وجلّ علمه عن أن يجىء تدبير من تدبير الله عن غير حكمة وعلم..!
فالإسلام- الذي جاء بدءا- هو أول درجات السّلّم، الذي يرقى فيه المرء إلى منازل الشريعة، وهو المدخل، الذي يدخل منه إلى دين الله..
والإيمان.. هو العروج بالإسلام إلى موطنه من القلب.
والقنوت.. هو استجابة القلب، وتقبله لهذا الإيمان الذي استقر فيه واطمأن به.