وفي هذا التخيير دلالة واضحة، وإشارة صريحة إلى ما ينبغى أن تقوم عليه الحياة الزوجية بين الرجل والمرأة.. فليس للرجل أن يحمل المرأة على الحياة معه، وهى متكرهة لهذه الحياة، غير راغبة فيها، حتى ولو كانت تلك الحياة على أعلى مستوى من الكمال والإحسان.. فأيّا ما كان واقع الأمر في الحياة الزوجية، فإن ذلك لا يحرم المرأة حقها في اختيار الحياة التي ترضاها لنفسها، وتجد فيها ما تستريح له، ولو كان على غير جادة الطريق.. إنها كائن رشيد يحمل أمانة التكليف، ويتلقى جزاء ما يعمل من خير أو شر.. إن المرأة كالرجل فى حمل التكليف، وفي الثواب والعقاب، وإن في إمساكها في بيت الزوجية على غير ما تريد، حجرا على إرادتها، واعتداء على إنسانيتها..
ولو أنه كان من تدبير الشريعة الإسلامية، أن تجعل للرجل سلطانا مطلقا على المرأة يمسكها به في بيت الزوجية، من غير رضاها- لكان أولى الناس جميعا بذلك، هو رسول الله- صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه- فإنه لن تجد المرأة أبدا ظلا كهذا الظل الطيب الكريم، تأوى إليه، وتغذّى فيه إنسانيتها بأنوار السماء، وتعطر منه روحها بأنفاس النبوة وكمالاتها..
إن في إلزام المرأة وقهرها أن تحيا في هذا الوضع الكريم في بيت النبوة، هو خير محض لها، وإحسان عظيم إليها، وربح خالص لا شك فيه لها.. ومع هذا، فإن الله سبحانه أمر رسوله الكريم، بتخيير نسائه، وإعطائهن هذا الحق الذي لهن، والذي ربما كان يمنعهن الدين ومقام الرسول في نفوسهن، من النظر إليه، أو التفكير فيه! فجاء هذا العرض وذلك التخيير، أمرا من السماء، يرفع عنهن الحرج، ويفسح لهن الطريق إلى ما يردن.
وطبيعى أن يكون هذا موقف الإسلام من المرأة، ومن تحرير مشاعرها