ورأى بعض آخر، أن يصلّى العصر، حين وجب وقتها، وقبل أن يخرج هذا الوقت، ودلّهم على هذا الرأى أن النبىّ صلّى الله عليه وسلم لم يرد بهذا الأمر إلا المبادرة والإسراع إلى حيث أمرهم، وأن الصلاة لا تفوّت عليهم هذه المبادرة..
وقد علم النبىّ بما كان من المسلمين، فلم ينكر على أىّ من الفريقين رأيه..
إذ كان كل منهم إنما يتحرى الخير، ويطلب رضا الله ورسوله.. إن أحدا منهم لم يمل مع هوى، ولم ينظر إلى ذات نفسه في هذا الأمر.. وإذ كان ذلك كذلك لم يكن المقصد إلا طلب الخير، وتحرّى الوجه الذي يلوح منه..
وفي طلب الخير، وتحرّى وجهه، يتساوى الذين يبلغونه، والذين لا يصلون إليه.. فليست العبرة بالأمر في ذاته، وإنما العبرة بالنيّة القائمة عليه، والرسول صلوات الله وسلامه عليه يقول: «إنما الأعمال بالنيات.. وإنما لكل امرئ ما نوى» .. ولهذا لم يكشف النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- عن وجه الصواب في هذا الأمر الذي اختلف فيه أصحابه.. إذ لا شك أن فريقا أصاب، وفريقا أخطأ.. فالأمر إما صواب وإما خطأ، ولا يحتمل الوجهين معا..
ولكنّ المعتبر هنا ليس الأمر في ذاته، إذ هو شىء عارض، وإنما المعتبر هو النيّة التي تقوم وراء هذا الأمر.. لأن النيّة شىء ذاتى، والذاتي مقدم على العرضي.
وقد حاصر النبي والمسلمون اليهود في حصونهم مدة، حتى إذا اشتدّ عليهم الحصار، نزلوا على حكم النبىّ.. فأمر يقتل كل من بلغ الحلم من الذكور، وسبى الأطفال، والنساء، بعد أن استولى على ما كان مع القوم من سلاح..
وهكذا ذهب هذا الداء الذي كان يعيش في كيان المدينة، ويموج بالفتن فيها..