يدلّ عليه الفعل «رأى» أي ما زادهم ما رأوه من الأحزاب وكثرة عددهم وعدتهم، إلا إيمانا بالله، وتصديقا لوعده، وتسليما بما يقضى به الله بينهم وبين عدوّهم.
قوله تعالى:
«مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» .
أي من المؤمنين الذين سلموا من النفاق، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. إذ ليس كلّ المؤمنين على درجة واحدة في إيمانهم.. بل هم درجات فى الإيمان، كما أنهم درجات عند الله..
وحرف الجرّ «من» هنا للتبعيض.. أي من بعض المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وفي قوله تعالى: «رجال» إشارة إلى أنهم أناس قد كملت رجولتهم، وسلمت لهم إنسانيتهم.. فكانوا رجالا حقّا، لم ينتقص من إنسانيتهم شىء.. فالكفر، والشرك، والنفاق، وضعف الإيمان، كلّها أمراض خبيثة، تغتال إنسانيّة الإنسان، وتفقده معنى الرجولة فيه.. فالرجل كلّ الرجل، هو من تحرّر عقله من الضلال، وصفت روحه من الكدر، وسلم قلبه من الزيغ.. ثم لا عليه بعد هذا ألا يمسك بيده شىء من جمال الصورة، أو وفرة المال، أو قوة السلطان.
وفي تنكير «رجال» معنى التفخيم، والتعظيم، كما يقول الله تعالى:
«يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ» (36: 37 النور) وكما يقول سبحانه: