معتصما يعتصم به، وملجأ، يلجأ إليه، من هذا البلاء، فلن يجد.. كما أنه إذا أراد الله به خيرا ورحمة، فإن هذه الرحمة وذلك الخير لا بد أن يصلا إليه مهما حاول هو- عن جهل وغباء- أن يفر منهما.
وثانيا: أن تقدير الإنسان للأمور لا يقع على وجه صحيح في كل حال، فقد يفر الإنسان من أمر، ويعرض عنه، متكرها له، طالبا السلامة منه، وهو في صميمه خير له، وبركة عائدة عليه.. وأن الله سبحانه، لو كان يريد به الخير لأمسكه على هذا المكروه، ولما صرفه عنه.. ولو أراد به سبحانه السوء لخلىّ بينه وبين ما يريد، فيقع في المكروه الذي يتوقع النجاة منه بإعراضه عنه، وفراره منه، وذلك بما يفوته من الخير المطوىّ فى هذا المكروه..
وهذا هو حال هؤلاء الفارّين من ميدان القتال.. إنهم تكرهوا هذا الأمر، وفروا منه، وهو في صميمه خير ورحمة وبركة.. وإذ لم يرد الله بهم خيرا، فقد خلّى بينهم وبين ما أرادوا.. على حين أنه سبحانه أمسك على هذا المكروه، من أراد بهم الخير والرحمة من عباده المؤمنين..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ» (23: الأنفال) ..
وفي قوله تعالى: «وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» - ما يسأل عنه أيضا، وهو: لماذا اختلف النظم، فكان خطابا في قوله تعالى «مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً» ..
ثم كان غيبة في قوله تعالى: «وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً» ؟ ..