وفي قوله تعالى: «وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً، - إشارة إلى مبادرة هؤلاء المستخفّين بالحرمات، إلى الخروج من ديارهم، وتسليمها ليد طالبيها منهم، دون إمهال أو تلبث،.. وحسبهم أن ينجوا بجلدهم!! فهؤلاء الذين فتنوا في دينهم، بموقفهم المتخاذل في مواجهة العدو، ثم فرارهم من ميدان المعركة، وخروجهم من دينهم في غير تردد، هم أنفسهم أولئك الذين ينزلون عن ديارهم، ويخرجون منها في غير تردد أو تلبث أيضا..
وهكذا الإنسان، فى موقفه من حرماته.. إن من يفرط في أي حرمة من الحرمات، هو مستعد للتفريط فيها كلها.. إنّ الحرمات، هى كيان واحد، وإن تعددت صورها، وأشكالها..
قوله تعالى:
«وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا» .. أي أن هؤلاء الفارين من ميدان القتال، قد نقضوا عهدهم الذي عاهدوا الله عليه من قبل، حين دخلوا في دين الله..
وهذا العهد، هو أن يطيعوا الله والرسول، وأن يجاهدوا في سبيل الله، وألّا يولّوا الأدبار.. وفي هذا يقول الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (15- 16: الأنفال) .. فهذا هو عهد الله الذي أخذه على المؤمنين، وقد دخلوا في دين الله على هذا العهد..
وفي قوله تعالى: «وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا» - إشارة إلى أن عهد الله أشبه بكائن حىّ مجسد، وأنه يقوم في الناس مقام الرسول المبلّغ عن ربه..