وثانيا: أنه كما لا يجتمع في جوف إنسان قلبان، كذلك لا يجتمع في ذات امرأة أن تكون أما وزوجا في آن واحد.. ومن ثمّ فإن معاملة الزوجة كأم في الحرمة، وذلك في قول الرجل منهم لامرأته: «أنت علىّ كظهر أمي» - هذه المعاملة التي تجعل الزوج أمّا، فيها قلب للأوضاع، وتعمية وخلط للحقائق.. فالزوج زوج، والأم أم، لا يجتمعان في ذات واحدة، لشخص واحد..
وثالثا: وكما لا تكون زوج الرجل أمّا، كذلك لا يكون متبنّاه ابنا له.. فهذا غير ذاك، ولا يجتمع متبنى وابن في ذات واحدة، لرجل واحد..
ومن ثمّ فإن ما كان يتخذه الجاهليون من تبنى أبناء غيرهم، ومعاملتهم معاملة الأبناء من الصلب، فى الميراث وغيره- هو تضييع للأنساب، وتزييف للواقع، وجمع بين ما هو باطل وما هو حق.
وقد كان العرب في جاهليتهم- تحت ظروف الحياة التي تعتمد على الاستكثار من الرجال- يعملون جاهدين على إلحاق غير أبناءهم بهم، ممن يتوسمون فيهم القوة والشجاعة.
فلما جاء الإسلام، وأقام حياة الناس على العدل، ودفع بأس بعضهم عن بعض- لم تعد ثمة داعية إلى الإبقاء على هذه العادة، ولكن كان هناك كثير من الحالات أدركها الإسلام وقد أخذت وضعها في المجتمع، ولم يكن من اليسير التخلص منها بعمل فردى، ومن أجل هذا فقد جاء التوجيه السماوي بإنهاء هذه العلاقة المصطنعة، التي كانت قائمة بين الأدعياء والآباء، وإقامة علاقة أخرى مقامها، أوثق عرى، وأقرب قرابة، هى علاقة الأخوّة فى الدين، وقرابة الولاء لله بين المؤمنين.