المسيرة كانت تتنزل آيات الله بالزاد الذي تحتاج إليه كل مرحلة.. حتى كانت آخر آية نزلت من كتاب الله، كانت الدعوة قد بلغت غايتها، وآتت الثمر المرجو منها.. فنزل قوله تعالى:
«إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ.. إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» مؤذنا بمصافحة السماء للأرض، مصافحة وداع، بعد أن أودعت فيها هذا الزاد العتيد.. ثم كانت آية الختام: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» !.
القرآن بعد دور الدعوة:
وإلى هنا كان الرسول، قد تلقى القرآن الكريم كله من ربه، وحفظه فى قلبه، كما حفظه كثير من المسلمين معه، كما كان كتّاب الوحى قد استكملوا كتابته.
والسؤال هنا: على أية صورة كان القرآن عند آخر آية نزلت؟ وهل كان على ترتيب النزول، أم على هذا الترتيب الذي هو عليه الآن؟.
والجواب على هذا:
أولا: من المقطوع به أن القرآن عند ما نزلت آخر آية منه لم يكن على هذا الترتيب الذي هو عليه الآن، كما أنه لم يكن على ترتيب النزول.. وذلك أن الرسول- بوحي من ربّه- كان خلال العشرين سنة أو تزيد، التي نزل فيها القرآن، يرتب الآيات، فيضع- بوحي من ربّه- آيات مدنية في سور مكية، كما يضع آيات مكية في سور مدنية.. فكانت عملية النقل هذه تغيّر من صورة السّور، طولا وقصرا، فينقل من هذه السورة آيات إلى تلك، ومن تلك إلى أخرى، وهكذا في اتصال دائم بدوام نزول القرآن.