فمن حيث التنجيم.. لم ينزل القرآن جملة واحدة.. بل نزل آية آية، وآيات آيات، حسب مقتضيات الدعوة، ومستلزمات أحداثها.. وقد بين الله سبحانه وتعالى الحكمة في هذا، فقال تعالى: «وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا» (106: الإسراء) كما زاد ذلك بيانا في قوله سبحانه: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً؟ .. كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً» (32- 33 الفرقان) .
ومن حيث ترتيب النزول.. فقد نزل القرآن لغاية تحقق أمرين:
أولهما: اقتلاع الشرك، الذي كان قد استولى على الحياة الإنسانية كلها، واغتال مواطن الإيمان في كل بقعة منها.. ليقيم في الأرض مكانا للإيمان بالله، حتى يعتدل ميزان الإنسانية، ويكون لها نهار يدور في فلكها، مع هذا الليل الطويل الذي تعيش فيه..
وثانيهما: إقامة شريعة في تلك المواطن التي قام فيها الإيمان، حتى تثبت أصوله، وتطلع ثمراته، فيكون منها زاد طيب لأهل الإيمان، يعيشون فيه، وتطيب لهم وللناس الحياة معه..
ولتحقيق الأمر الأول، كانت معركة الإسلام الأولى منحصرة في ميدان الشرك.. ومن هنا كانت آياته التي تنزل في هذه المرحلة من مراحل الدعوة، جندا مرسلة من الله، تدكّ معاقل الشرك، وتهدم حصونه، وتفتح للعقول والقلوب، الطريق إلى الله..
وقد استغرقت هذه المرحلة الجزء الأكبر من الدعوة الإسلامية، فى إقامة الحجج على وجود الله، وكشف البراهين على وحدانيته، وما له سبحانه من