افْتَراهُ»
؟ ولم لم يجر الخطاب على هذا النسق في قوله تعالى: «بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ..؟»
والجواب على هذا- والله أعلم- هو أنه لما كان الافتراء، مما لا يليق بمقام النبوة، ولا يصح أن يطوف بحماها، فقد كان إكرام الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم، وإحسانه إليه، ورفعه لقدره، أن عزل سمعه عن أن يواجه بهذا المكروه من القول الذي يقوله المشركون فيه، وحتى أنهم وإن أرادوا النبي به، فإنما هو مصروف عنه إلى غيره، ممن يصح أن يكون منه افتراء.. وهذا- فوق أنه تكريم للنبى، وإعلاء لقدره- هو أدب سماوى، وإعجاز قرآنى، فى تصوير الوقع، وضبطه على أحكم ميزان، وأعدله، وأقومه..
أما حين يكون الأمر مما يخص النبي، ويتعلق برسالته، ويحقق صفته، فإنه يكون من مقتضى الحال أن يواجه النبي بالخطاب، وأن يتلقى ما يخاطب به فى مشهد وحضور، فذلك أرضى لنفسه، وأهنأ لقلبه.. ولهذا جاء قوله تعالى:
«بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» .
- وقوله تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ» هو إنكار لتلك المقولة المنكرة التي يقولها المشركون في كتاب الله.. فهم في هذه القولة، يرتكبون جنايتين:
أولاهما: اتهام النبي بالكذب والافتراء.. وهم على علم بأنهم كاذبون مفترون، إذ أنهم يعرفون صدق هذا النبي، الذي لم يعرف الكذب في حياته، ولم يجربوا عليه كذبة منذ عرفوه، صببا، وشابا، وكهلا.. وثانيتهما: أنهم يفترون الكذب على هذا الكتاب، وهم يرون بأعينهم آيات الحق مشرقة في كل كلمة من كلماته، ومع كل آية من آياته! فلو أنهم اتهموا النبي لردّهم عن هذا ما رأوا من صدق الكتاب نفسه، ولو أنهم اتهموا الكتاب لصدّهم عن ذلك ما عرفوا