وفى قوله تعالى: «وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» نظرتان:

النظرة الأولى: إلى العدول عن الكافرين، والتعبير عنهم بالفاسقين، إذ سياق الكلام يقضى بأن يكون الإضلال للكافرين الذين وقفوا من المثل هذا الموقف اللئيم، فقالوا فى استهزاء واستنكار: «ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟» فكان المتوقع أن يكون الجواب هكذا: «يضلّ به كثيرا، ويهدى به كثيرا وما يضلّ به إلّا الكافرين» .. ولكن لكلام الله حساب غير هذا الحساب، وتقدير فوق هذا التقدير، فجاءت فاصلة الآية هكذا: «وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» .

والفسق معناه فى اللغة: الخروج، يقال: فسق، وفسق أي خرج عن طريق الهدى والصلاح، وانفسق الرّطب عن قشره: أي خرج.

والكافر فاسق، لأنه خرج عن طريق الهدى والإيمان، وركب طريق الضّلال والكفر، خرج عن فطرته التي فطره الله عليها، ونقض الميثاق الذي واثقه الله عليه، فى قوله سبحانه: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا» (172 الأعراف) والنظر الثانية: إلى قوله تعالى: «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً.. الآية» فهى جواب عن سؤال أولئك الذين فى قلوبهم مرض، الذين استخفّوا بالأمثال التي يضربها الله، ويتخذ مادتها من مخلوقات ضئيلة من خلقه.. فيقولون فى عجب واستنكار: ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ فكان جواب الحق جلّ وعلا: «يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً، وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ» ! والنظرة هنا إلى نسبة الإضلال إلى الله سبحانه وتعالى، بضرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015