التفسير: لقد سمع الله مريم إذ تناجى نفسها، وعلم- سبحانه- ما أخفاه عنها من ألطافه ونعمه إذ ناجته بنذرها الذي نذرته، وهو هذا الجنين الذي حملت به.
«إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً» .
فإنها ما كادت تتحقق من أن جنينا يتحرك فى أحشائها، حتى أقبلت على الله بكيانها كله، وإيمانها كلّه، جاعلة هذا الذي وهبها الله إياه خادما لله، محرّرا من كل رباط يربطه بالحياة، ليكون كلّه فى خدمة بيت الله: «إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً» وضرعت إلى الله تعالى أن يقبل هذا النذر، وأن يرضاه لها، تحية شكر له، على ما أنعم عليها من ولد بعد يأس كاد يدخل عليها، ويخرجها من الدنيا عقيما بين النساء: «فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» وجاءها المخاض، وولد المولود الذي كانت تنتظره، فإذا هو أنثى!! ونظرت فى وجه مولودتها فحزنت أن جاءت على غير ما كانت تنتظر. إنها كانت ترجو أن يكون وليدها ذكرا، فهو الذي ترى فيه الوفاء بنذرها، حيث هو الذي يصلح للخدمة فى بيت الله، أما الأنثى فمكانها هناك قلق حرج، بين المنذورين الذين يخدمون فى بيت الله، وكلهم من الذكور.
ومع هذا، فقد نذرت ما فى بطنها محررا لخدمة الله، وقد جاء ما فى بطنها أنثى، فهى- والأمر كذلك- لا تملك غير هذه التي أعطاها الله، فلتقدمها لله وفاء بما نذرت: «فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى» !! وفى قوله تعالى: «فَلَمَّا وَضَعَتْها» إشارة إلى ما تقرر فى علم الله من أنها لا تضع إلا أنثى، فالضمير المؤنث فى «وضعتها» يشير إلى معهود معلوم من قبل الوضع. وذلك ما كان فى علم الله وتقديره!