أن يختار من يشاء منهما.. فلقد رآهما من قبل، كما رآهما في بيت أبيهما، وليس من الحكمة ولا من المصلحة أن تفرض عليه واحدة بعينها، حتى ولو كان لموسى رغبة فيها، وكان لها رغبة فيه.. إن هذا الفرض من شأنه أن يزعج موسى، وأن يصدم إرادته، ويصادر رأيه.. ثم إن موسى سيعيش في بيت شعيب، فإذا لم يكن قد اختار هو بنفسه من تزوجها، كان في ذلك تنغيص له، واضطراب لحياته الزوجية، ومعادلة وموازنة دائما بين الأختين في كل وقت.
الأمر الذي يجعل هواه دائما مع من لم يكن له خيار فيها.. هكذا الإنسان! ثم إنه بهذا التدبير الحكيم، قد سوّى الأب في القسمة بين ابنتيه، فى هذا الذي ساقه الله إليهما، فى صورة رجل، هو نادرة في الرجال.. فالأب لا يؤثر بهذا الخير إحدى ابنتيه على الأخرى، ولو كانت الكبرى.. إنه لو فعل هذا لكان في نفس الأخرى أسى ومرارة.. وليس الشأن كذلك إذا كان الخيار لموسى، أو كان بالتراضي بين الأختين، حيث تبدو كل منهما، وكأنها تؤثر أختها عليها..
ومن جهة أخرى، فإنه واضح من قول شعيب: «إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين» أنه لم يفصح عمن يكون له الخيار فيهما..
أهو شعيب أم موسى..
وهذا أمر، إن قام على هذا الوجه، فى هذا الموقف وفي مواجهة البنتين، فإنه قد ترك البتّ فيه لمجلس خاصّ بين الرجلين، فإذا انكشف الأمر بعد ذلك عمن وقع عليها الاختيار- لم يكن من اليسير لدى البنتين القطع بأن هذا الاختيار، كان من موسى، أو من شعيب، أو منهما معا.. وهكذا تتوزع الصدمة- إن كان هناك صدمة- التي ربما تصيب من لا يقع عليها الاختيار، بين هذه الاحتمالات، فتخفّ وتهون.