وهنا نجد موسى قد بلغ في مسيرته «مدين» التي كان وجهه إليها- بقصد أو بغير قصد- بعد أن خرج من مصر! وعلى مقربة من المدينة وجد العين التي يستقى منها أهلها.. وهناك كانت جماعات الرعاة ترد الماء، وتستقى منه، وتسقى ماشيتها.. وهذا هو السر في حذف مفعول الفعل «يسقون» ليكون شاملا لكل ما يحتاج إلى سقى من إنسان أو حيوان..
وعلى الماء، لفت نظر موسى، منظر فتاتين، قد انحازتا بماشيتهما مكانا قصيا عن الماء.. وقد عجب لهذا، وبدا له أن يسأل الفتاتين: «ما خَطْبُكُما» ؟
ولم أنتما هكذا بعيدتين عن الماء؟ ألا تسقيان كما يسقى القوم؟.
وليس الأمر على ما قدّر موسى، وإن الخطب لأهون من هذا، فما بين الفتاتين وبين القوم ما يدعو إلى هذه القطيعة البادية لعينيه.. ولكن هكذا كانت الحياة في هذه الجماعة التي يعيش فيها شعيب.. لقد وقفوا من هذا الرجل الصالح، الذي يحمل إليهم دعوة السماء، بتوحيد الله، وبالعدل في الكيل والميزان- وقفوا منه موقف الخصومة، والقطيعة.. فلم يكن لفتاتيه من يمدّ إليهما يدا.. وأبوهما شيخ كبير.. «قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ» ألم تقف قريش من النبي ومن رهطه بنى هاشم وبنى المطلب موقفا كهذا؟ لقد عقد القوم فيما بينهم عقدا على مقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب، كما هو معروف في السيرة النبوية..
قوله تعالى:
«فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ، فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» .