وفي العدوان عليه حطة بقدر حاشية فرعون، ورجال فرعون.. إن الأمر في غاية الحرج، والمخرج منه على أي وجه إن أرضى طرفا أساء إلى الطرف الآخر..
وإذن فلا بد من معالجته بالحكمة والرفق.. فكان هذا الأسلوب السياسى الحكيم، الذي خرج من قصر فرعون، فى صورة هذا الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى.. إنه كبير من كبار رجال القصر، وقد خلا بموسى، وأسر إليه، أنه سيعمل على إطلاق سراحه، ولكن على أن يفر موسى من مصر، فلا يقع له أحد على أثر.. حتى إذا طلب للمحاكمة كان في عداد المفقودين.. ولا يعجز رجل القصر عن وسيلة يطلق بها موسى من يد الجند، دون أن يعلم أحد.. فهذا أمر من اليسير أن يدبره مع الجند، بعد أن يذهبوا بموسى على أعين الناس، وهو- كما يرون- فى يد الجند، إلى حيث يساق إلى المحاكمة والقصاص..!
واستمع إلى قوله تعالى، عن هذا الرجل، الذي جاء من أقصى المدينة، وقام بهذا الدور الذي رأيناه يقوم به على مسرح الحدث:
«وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى.. قالَ يا مُوسى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ.. فَاخْرُجْ.. إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ» .
وفي هذه الآية تنكشف لنا أمور:
فأولا: أن هذا الرجل جاء من أقصى المدينة.. أي من أطرافها البعيدة..
وهذا يعنى أنه جاء من بيت فرعون، حيث كان فرعون يقيم في ظاهر المدينة، منعزلا بقصره عن الرعية، وهذا يؤيد الرأى الذي ذهبنا إليه في تفسير قوله تعالى: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها» .. وقلنا إن التعبير عن وجود