خرج موسى يسير في طرقات المدينة، يتحسس أخبار الفعلة التي فعلها بالأمس، ويتسمع حديث الناس عنها، وعمن فعلها، وذلك ليستوثق أنه غير مطالب بما حدث.. وتلك غريزة تدفع بمرتكب الجريمة أن يحوم حولها، كما يقرر ذلك علماء الإجرام.. وإلا فماذا كان يحمل موسى على البقاء في المدينة؟
ألا يخرج منها كما دخل إليها، دون أن يشعر به أحد؟.
- وقوله تعالى: «خائِفاً يَتَرَقَّبُ» - تصوير لما كان يلبس موسى من خوف واضطراب..
- وفي قوله تعالى: «يَتَرَقَّبُ» - إشارة إلى أنه كان يتطلع إلى وجوه الناس، ويستقرىء ما قد تكون تركت عليها الحادثة من آثار!.
ومع هذا الهمّ الذي يعالجه موسى، تفجؤه الأحداث بما لم يكن يقع فى الحسبان.. لقد رأى الإسرائيلى، الذي حمله هذا الوزر، وساقه إلى هذا الموقف- رآه في حال كتلك الحال التي رآه عليها بالأمس.. رآه مشتبكا مع مصرى في صراع غير متكافىء.. ثم ما إن رأى الإسرائيلى موسى حتى علا صراخه، طالبا الغوث والنجدة.. «فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ» أي يستغيث به.. وينظر موسى إلى الإسرائيلى بعين المغيظ المحنق، ويتمثل فيه الشيطان الذي رأى أنه هو الذي أوقعه فيما وقع فيه بالأمس، وقال عنه: «هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ» وهنا يلقى الإسرائيلى بقوله: «إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» .. وهكذا يضع القدر بين يدى موسى صورة مصغرة لما سيكون بينه وبين بني إسرائيل، تنعكس على مرآة ما كان بينه وبين هذا الإسرائيلى..
لقد خلّص موسى «الإسرائيلى» من يد القوة الباغية التي كان يئن تحت ضرباتها.. ثم ها هو ذا الإسرائيلى، يلتحم من جديد في معركة، ويريد أن يدفع موسى إلى مثل ما دفعه إليه بالأمس، فيقتل مصريا آخر كما قتل مصريا بالأمس..