فى هذه الآية والآيات التي بعدها، يكشف الله سبحانه وتعالى عن الأسباب التي يقيمها سبحانه، لتمضى بها إرادته، وتتحقق مشيئته..
وإذا كان الله سبحانه وتعالى في غنى عن هذه الأسباب التي تتصل بالمسببات، حيث يقول للشىء «كن» فيكون- فإنه سبحانه، يرينا بهذا التدبير أن هناك أسبابا يتوسل بها إلى المسببات، وأن علينا أن نأخذ كل أمر بأسبابه التي تقع في حسابنا وتقديرنا..
وأول سبب من تلك الأسباب التي تقع بها إرادة الله في فرعون، هو ميلاد موسى، الذي سيكون على يده هلاك فرعون.! فهذا هو السبب الأول الذي ستدور عليه الأسباب المؤدية إلى هلاك فرعون!.
وحين ولد موسى، كان فرعون يمضى حكمه في أبناء بني إسرائيل، فيترصد جنوده لكل مولود ذكر ليذبحوه..
وقد أوحى الله سبحانه إلى أم موسى أن تمسك وليدها، وأن ترضعه، أي تتولى إرضاعه من لبنها، لا أن تدعه لمرضع غيرها، وذلك لأمر سيتضح فيما بعد، حين يقع الوليد في يد امرأة فرعون، فتلتمس له المراضع، فلا يقبل غير الثدي الذي رضع منه، أول رضعات، وهو ثدى أمه.. وبذلك يجتمع الوليد وأمه، لنمضى الأسباب إلى غاياتها..
وقد يكون الوحى المشار إليه هنا، هو إلهام من الله سبحانه وتعالى، فوقع فى تفكير أم موسى أن تصنع هذا الصنيع. وأن تحتال هذه الحيلة، وأن تغامر تلك المغامرة، فهى على ما بها من خطر يتهدد الوليد، فإنها فرارا بهذا الوليد من هلاك محقق، تدبر له هذا التدبير.. وقد ينجو الوليد وقد يهلك بهذا التدبير الذي دبرته، فإن نجا، فهذا ما ترجوه، وإن هلك فموته غرقا بعيدا عنها، أهون عليها من أن يذبح بين يديها!.