ولكن هناك ما يشغله عن كل هذا، الذي هو إلى جانب نعيم الآخرة هباء وهراء! والشأن كذلك فى البنين، إذ يقوم حبهم فى النفس، على غريزة حب البقاء، حيث يرى الإنسان الفاني امتداد حياته فى بنيه الذين يخلفونه فيما ترك، ويأخذون مكانه من بعده.. أما والإنسان قد وجد الخلود وضمنه فى الحياة الآخرة فإنه لا حاجة به إلى ذرية من بعده.
ثم إن رضوان الله الذي أفاضه على أهل الجنة، هو الغنى كله، وهو السعادة كلها.. فلا مطلب بعده، ولا سعادة وراءه.
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17)
التفسير: هاتان الآيتان الكريمتان تبينان المنهج الذي يستقيم عليه الإنسان، ليكون فى عداد أولئك المتقين الذين وعدهم الله بجنات تجرى من تحتها الأنهار وأزواج مطهرة ورضوان من الله.
فالتقوى لا يكسبها الإنسان إلا بمجاهدة، ولا يبلغها إلا بعد أن يقطع إليها طريقا شاقا من الجهد المتصل والعمل الدائب، فى طاعة الله وابتغاء مرضاته.
وأول هذا الطريق. الإيمان بالله، الذي هو ملاك التقوى، وبغيره لا يقبل عمل، ولا يؤذن لإنسان بالدخول مع المتقين.. «الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ» .
ثم إن الإيمان بلا عمل زرع بلا ماء.. لا يزهر ولا يثمر.