أولا، فإذا فعلوا ذلك، كان كل شىء يقع لهم من علم- وإن قل- مبارك العطاء، طيب الثمر.. وفي هذا يقول الله تعالى ردّا على من سألوا هذا السؤال المتعنّت عن الأهلّة: ما بالها تبدو صغيرة، ثم تكبر، ثم تعود فتصغر؟: «قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ» (189: البقرة) ومن أجل هذا أيضا أمسك كثير من صحابة رسول الله، بما كشف لهم الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- من أسرار هذا الوجود، فى العالم الأرضى والسماوي، لأنها كانت فوق أن يحتملها غيرهم.. ولو أنها ذاعت فى الناس يومئذ لكانت فتنة لهم.. وكذلك فعل كثير من أهل العلم، الذين حلّقت أرواحهم في سماوات عالمية، فرأوا بشفافية أرواحهم مالا يراه غيرهم، وفي هذا يقول قائلهم:
يا ربّ جوهر علم لو أبوح به ... لقيل لى أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستباح رجال مسلمون دمى ... يرون أكثر ما يأتونه حسنا
قوله تعالى:
«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» .
فى هاتين الآيتين عرض لمحصول الدعوة الإسلامية في المجتمع الإنسانى..
فالناس مؤمنون، أو كافرون.. محسنون، أو مسيئون.
أما المؤمنون المحسنون، الذين يعملون الصالحات، فلهم جزاء ما عملوا، أضعافا مضاعفة، من رحمة الله ورضوانه.. وأما أهل الزيغ والضلال والفساد، فجزاؤهم جهنم، حيث يساقون إليها سوقا عنيفا، فيسقطون على وجوههم فى النار.. وهذا جزاء ما كانوا يعملون..
وفي إفراد الضمير لأهل الإحسان وأهل السوء أولا، ثم عوده جمعا