من هذه الآية إلا ما امتلأ به قلبه من جحود وإنكار..
وقوله تعالى: «صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» .. «صُنْعَ اللَّهِ» منصوب على الإغراء بفعل محذوف تقديره: انظر، أو تأمل، أو نحو هذا.
وفي هذا دعوة إلى البحث عن هذه الحقيقة التي أشارت إليها الآية الكريمة من أمر الجبال، وتحركها مع تحرك الأرض في دورتها اليومية..
فالذين يؤمنون بالله، ويصدقون بكلماته، يستيقنون أن هنا حقيقة كامنة، تشير إليها الآية الكريمة، ولا تكشف عن وجهها، وأن على المؤمن أن يطلب هذه الحقيقة، وأن يشهد بعض جلال الله منها..
والمفسرون مجمعون على أن ذلك الذي تحدث عنه الآية في شأن الجبال، إنما يقع يوم القيامة، حين تتبدل الأرض غير الأرض والسموات، وكما يقول الله تعالى: «وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً» (20: النبأ) .
على أن الذي حملنا على مخالفة هذا الإجماع، هو ما جاء في قوله تعالى:
«صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ» فإن ذلك إلفسات إلى روعة الصنعة وإحكامها، وهذا لا يكون واقعا في نظر الإنسان يوم القيامة وهو يرى الجبال وقد تناثرت أشلاء!.
وإنما يرى ذلك، وهي قائمة ثابتة، ثم هي في نفس الوقت متحركة تدور مع الأرض في دورانها، دون أن تسقط وتهوى! وفي هذا يتجلى إحكام الصنع وإتقانه..
وهنا سؤال أيضا وهو: إذا كان ذلك كذلك، فلم لم تنكشف هذه الحقيقة للمسلمين الأولين؟ ولم لم يطلبها الصحابة، ولم يكلفوا أنفسهم البحث عنها.
وهم أعرف الناس بكتاب الله، وأقربهم من مواقع الحق فيه؟
وتقول: إن صحابة رسول الله- رضوان الله عليهم- كان متعلّقتهم بآيات الله، هو الجانب الروحي منها، ولم يكن يعنيهم من هذا الوجود