وفي قوله: «وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» .. إشارة إلى ما بلغ من استهتار القوم، واستخفافهم بهذا المنكر، حتى إنهم ليأنونه عيانا وجهرة بحيث يرى بعضهم بعضا وهم عاكفون على هذا الفحش، دون حياء أو خجل.. وإن بعض الحيوانات، لتدعوها طبيعتها إلى أن تتخفى وتستتر، فلا تطلع عليها عين، حين تتصل ذكورها بإناثها.. أما هذه الحيوانات الآدمية، فقد نزلت إلى هذا المستوي الخسيس، الذي لا ينزله إلا أدنى الحيوانات وأخسّها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» (29: العنكبوت) أي يأتون هذا المنكر علنا في مجتمعاتهم وأنديتهم، كأنهم يأتون مكرمة من المكرمات..
قوله تعالى:
«أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» هذه هي الفاحشة التي يأتيها القوم جهرة على أعين الناس، وهي «اللواط» واتصال الرجل بالرجل، كما يتصل الرجل بالمرأة، والذكر بالأنثى في عالم الحيوان.. وفي قوله «بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» .. إشارة إلى أن هذا الضلال الذي هم فيه، وهذه الحيوانية الطاغية التي لبستهم، إنما هي من واردات الجهل.. وليس بين الإنسان والحيوان من فرق، إلا العلم، وأنه بقدر ما يحصّل الإنسان من العلم، بقدر ما تكون منزلته في الإنسانية، وبقدر ما يكون بعده عن عالم الحيوان..!