فهذا الاستثناء يذكّر موسى بهذه الحادثة التي كانت منه، كما يذكّره بأن الله قد غفر له..!

وأكثر من هذا، فإن موسى سيدعى من ربه في هذا الموقف إلى لقاء فرعون، وما زالت نفسه تفيض بمشاعر الخوف التي وقع فيها من قتل المصري، وأنه مطلوب من فرعون ليقتله، بهذا المصري، وهو من أجل هذا قد فر من وجه فرعون، كما يقول الله تعالى: «فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ» (18: القصص) أي يترقب القصاص منه.. ثم جاء من ينصح له بأن يخرج من المدينة، ويطلب النجاة لنفسه بالفرار منها.. «فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ» (21: القصص) ..

فهذا هو شعور موسى، وهذا ما يطلع عليه من مخاوف، إذا هو دعى إلى لقاء فرعون.. وقد كان من تدبير الله سبحانه وتعالى، أن يصفّى هذه المشاعر من نفسه، قبل أن يحمّله رسالته إلى فرعون.. فقد ظلم موسى نفسه فعلا بهذا الذي كان منه من قتل المصري.. ولكنه ندم، ورجع إلى الله تائبا مستغفرا، وقد غفر الله له..! وإذن فلا خوف عليه، لأنه من المرسلين، والمرسلون فى رعاية الله وحراسته..

إن موسى سيدخل في تجربة قاسية مع فرعون، إذ يحمل إليه دعوة من الله، بأن يؤمن بالله، وبأن يطلق بني إسرائيل من يده، ويرسلهم مع موسى، إلى حيث يخرج بهم من سلطان فرعون! وإن الخوف من فرعون ليكاد يكون كائنا يعيش مع موسى.. حتى إنه، مع هذا الأنس الذي وجده فى حضرة به، ومع هذا الوعد بأنه من المرسلين الذين يحرسهم الله، ويدفع عنهم ما يخيفهم- مع هذا كله، فإنه ما يكاد يتلقى أمر ربه: «اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى» (24: طه) حتى تطل عليه وجوه الخوف من كل جهة، فيقول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015