فهذه هي الصفات الغالبة على أكثر الشعراء، ولكن من الشعراء من غلبت طبيعتهم شياطين الشعر، وقهرت النوازع التي تحركها فيهم هذه الشياطين، فكان لهم من خلقهم، عاصم يعصمهم من الانزلاق في مهاترات الشعراء، ولهوهم ومجونهم، قولا، وفعلا.. وليس هنا عاصم يعصم الإنسان من المزالق والعثرات، مثل الإيمان بالله، والتمسك بآداب الدين وأحكامه.. حيث يجد الإنسان من دينه وازعا يزعه عن الشر، ويمسك لسانه عن الفحش والهجر..
فالذين آمنوا بالله، وذكروا الله كثيرا، أي استحضروا دائما جلاله وعظمته.. هم- وإن كانوا شعراء- مستثنون من تلك الأوصاف التي وصف بها عامة الشعراء، لأنهم ليسوا غواة ولا دعاة إلى غواية. ولأنهم لا يقولون إلا ما يفعلون.. فلا كذب. ولا نفاق.. حيث لا يجتمع الإيمان وذكر الله كثيرا، مع شىء من هذا الضلال..
وفي قوله تعالى: «وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا» .. إشارة إلى ما يكون من الشعراء المسلمين، إذا حاربهم المشركون بالشعر، وسلقوهم منه بألسنة حداد.. فماذا يكون عليه موقف الشعراء المسلمين هنا؟ أيسكتون على هؤلاء الذين يرمونهم بهذه الطعنات المسمومة القاتلة من شعر الهجاء، الذي يشيع على ألسنة الناس، ويصبح حديث المحافل، وسمر السمار، وحداء الحداة، ونشيد الرعاة والصبيان؟ وكيف وفي أيديهم السلاح الذي يفلّ هذه الأسلحة، ويخرس تلك الأفواه التي تنفث هذه السموم؟ ومن أجل هذا فقد أذن الله سبحانه للشعراء المسلمين أن يدفعوا عن أنفسهم هذا الشرّ بالشرّ، وأن يضربوا الشعر بالشعر.. انتصارا من ظلم، وردعا للظالمين.. والله سبحانه وتعالى يقول:
«لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» (148: النساء) ويقول