قط، من صدق الحديث، واستقامة السلوك، وطهارة النفس، حتى لقد كانت تلقّبه قبل البعثة بالصادق الأمين.
وإذا كانت قريش، وكان الجاهليون عموما، يزعمون أن الشعراء، يتلقون أشعارهم مما يوحيه إليهم شياطينهم، فإن محمدا ليس شاعرا، لا بالقوة ولا بالفعل.
فمحمد لم يقل شعرا في حياته أبدا.. لا قبل البعثة ولا بعدها.
ومحمد ليس من طبيعته أن يكون شاعرا، كما عرفت قريش من حياته معها، ومعاشرتها له، واطلاعها على كل شأن من شئونه.. إذ كان في بيئة عارية، لا يختفى فيها شىء عن أبصار الناس وسمعهم..
فمحمد أبعد الناس عن أن يكون شاعرا، بطبعه، أو بلسانه.. وهذا الكلام الذي يحدّث الناس به، ليس من واردات الشعر، سواء أكانت نسبته إلى السماء. أم إلى محمد نفسه..
فالقول، الذي تقوله قريش على محمد بأنه شاعر، كما يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: «أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ» (30: الطور) وكما يقول جلّ شأنه: «بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ.. بَلْ هُوَ شاعِرٌ.. فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ» (5: الأنبياء) - هذا القول الذي تقوله قريش- ساقط، يكذّبه الواقع الذي تعرفه قريش، وتستيقنه من أمر محمد..
وفي هذا يقول الحق جلّ وعلا: «وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ، وَما يَنْبَغِي لَهُ، إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ» (69: يس) وفي قول تعالى: «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ» .. إلفات لقريش، إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا وآمنوا به، وأنهم جميعا كانوا على حال من الاستقامة والقصد، بحيث لا تميل بهم أنفسهم إلى جانب الشعراء، ولا تهفو