المحفوف بالرحمات والبركات، وأبت عليهم نفوسهم اللئيمة الخبيئة إلا أن تضع فمها فى التراب، وأن ترعى مع الأنعام، وتأكل مما يأكل الحيوان..!
وقد كشف القرآن عن هذا الموقف اللئيم، الذي وقفوه إزاء هذه النعمة الكريمة، فقال تعالى:
«وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ. وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ... »
(61: البقرة) .
فهذه مائدة كانت ممدودة لهم من السماء، وكان جديرا بالقوم أن يعيشوا فيها، وأن يهنئوا بها.. ولو أنهم فعلوا ما زايلهم هذا الخير أبدا، ولعاشت فيه أجيالهم جيلا بعد جيل، يطعمون من هذا الطعام الطيب الكريم، الذي تصفو عليه النفوس، وتنتعش الأرواح، كما تصح عليه الأبدان!! ومن يدرى؟ فلعله لو ذهب بنو إسرائيل بهذه التجربة إلى غايتها، لتغير وجه الحياة الإنسانية بهم، ولظهرت فى الحياة سلالات بشرية لا تحمل معدة الحيوان، ولا بهيمية البهائم.. ولكن الله بالغ أمره! «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً» (3: الطلاق) .
فبدّل الله نعمة القوم نقمة، وضربهم بالذّلة والمسكنة، فما استقام لهم بعدها وجه فى الحياة، ولا كان لهم فيها من زاد إلا السحت الخبيث من الطعام، يختلسونه اختلاسا، مما يأكل الناس والأنعام! «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ