فكيف تكون من جهة النبي أكاذيب وأساطير، ثم تكون هي ذاتها عند أهل الكتاب حقّا وصدقا؟
فالذى يدافع عنه القرآن الكريم هنا، هو دفع التهمة عن هذا القصص القرآنى، وقول المشركين عنه: «إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» .. وفي هذا الموقف ينكشف تعنّت المشركين، وضلالهم، وأنهم يقولون في الخبر يتلقونه من النبيّ بأنه كذب واختلاق، على حين أنهم يأخذونه من أهل الكتاب على أنه الصدق الذي لا جدال لهم فيه؟ أفليس هذا جورا في القضاء، واعوجاجا فى الحكم؟ وإذا كان هذا شأنهم في هذا القصص، فإن هذا هو شأنهم في كلّ موقف لهم مع آيات الله وكلماته..
والسؤال هنا، هو: ماذا للنبيّ في هذا القصص، وما حجته على المشركين وغيرهم به، إذا كان مدوّنا في الكتب السابقة، وكان معلوما لعلماء بني إسرائيل؟
إنه- والأمر كذلك- ليس للنبى فضل يبين به على القوم، حتى يأخذ مكان القيادة، فى الدعوة إلى الله، ويدّعى فيهم هذه الدعوى بأنه رسول ربّ العالمين؟ إن الأمر لا يعجز أيّا منهم أن ينقل هذا الأخبار من الكتب السابقة، أو أن يتلقّاها عن أحد علماء بني إسرائيل.. فما حجة النبيّ على القوم بهذا القصص، وهو سلعة معروضة لمن يشترى بأقل ثمن، وأقل جهد؟
والجواب- والله أعلم- هو أن حجة النبيّ- صلوات الله وسلامه عليه- بهذا القصص، ليس في مجرد الأخبار التي ضمّ عليها.. فهذه الأخبار- وإن كانت ذات دلالة عظيمة، على صدق النبيّ، من حيث صدقها الخالص، المصفّى من المفتريات، والأباطيل، التي عند أهل الكتاب- قد جاءت على هذا النظم المعجز من الكلام، الأمر الذي قام به التحدي، والذي استخزى أمامه القوم، وعجزوا عن أن يأتوا بشىء من مثله.. وهذا ما يشير إليه وقوله تعالى: