فكيف يصحّ مع هذا أن ينسب القرآن إلى الله، بهذا الوصف، فيقال عنه إنه كلام الله، إذا كان المعنى من عند الله، واللفظ من عمل محمد؟ وهل الكلام إلا هذه الألفاظ التي صيغت فيها هذه المعاني، وصبّت في قوالبها؟
إننا نأسف كثيرا، إذ نرى مثل هذه المقولات، تأخذ مكانها في كتب التفسير، ولو كانت على سبيل الحكاية لمقولات غير المؤمنين.. فكيف وهي تنسب إلى أئمة أعلام، وتدس عليهم من أعداء الإسلام. ثم تؤخذ هكذا على علاتها، دون أن تؤد في مهدها، وترد على المفترين والمروجين لها؟
قوله تعالى:
«وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ؟» .
الضمير فى «إنه» يعود أيضا إلى القصص القرآنى، كما عاد إليه الضمير فى قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ» .
وقد خالفنا في هذا أكثر المفسرين، الذين جعلوا الضمير في الموضعين عائدا على القرآن الكريم.. وجعلناه نحن عائدا على القصص القرآنى وحده..
وقد رجح عندنا هذا الرأى لأمرين:
أولا: أن أكثر ما كان يتهم به النبي عند المشركين في شأن القرآن، هو ما جاء فيه من أخبار وحوادث، من القرون الغابرة، والعصور السحيقة..
ولهذا، فقد كان الأمر في تقديرهم لا يعدو أن يكون استماعا من النبي لهذه الأخبار، ثم تشكيلها، وتلوينها بألوان الخيال، وإخراجها على الصورة التي يتصورها..