التفسير:
مناسبة ذكر قصة إبراهيم، بعد قصة موسى، هى أنه في قصة موسى، قد رأى فيها المشركون أسوأ وجه لهم في فرعون، وما ركبه من عناد واستكبار واستبداد.. كما رأوا المصير الذي صار إليه هو ومن اتبعه..
وفي قصة إبراهيم يرى المشركون الجانب الآخر من هذا الوجه السيّء الذي يعيشون به في الناس.. فهم إذا كانوا قد رأوا في قوم فرعون عتوّهم واستكبارهم، فإنهم يرون في قوم إبراهيم جهلهم، وصغار عقولهم، وسفاهة أحلامهم، وضآلة قدرهم فى الناس.. إذ ينقادون لأحجار صمّاء، ويعقّرون جباههم بين يدى ودمى خرساء..!
وفى قوله تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ» - يعود الضمير فى «عليهم» إلى المشركين من أهل مكة.. والنبأ: الخبر عن غائب..
وفي إضافة النبأ إلى إبراهيم، دون إشراك قومه معه، مع أن القصة حديث عنه وعنهم- إشارة إلى أن المنظور إليه هو «إبراهيم» ، وأنه هو الذي يجب أن يكون موضع القدوة والأسوة، للمؤمنين، ولأصحاب الرسالات الطيبة الداعية إلى الخير.. وعلى رأس أصحاب هذه الرسالات النبي محمد- صلوات الله وسلامه عليه- حيث يجتمع في قومه، كبر فرعون واستعلاؤه، وصغار قوم إبراهيم، وحماقتهم..
قوله تعالى:
«إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ؟ قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ» إن سؤال إبراهيم، هو من تجاهل العارف، الذي يسأل عن الشيء، وهو يعرف الجواب عنه.. ولكنه يريد بهذا السؤال أن يأخذ الجواب عن هذا الجرم، من فم المجرمين أنفسهم، ليكون ذلك موضعا للمساءلة والمحاسبة