فإن الشريعة قد راعت الظروف الخاصة التي تعرض للإنسان، والضرورات التي تتحدّى قدرته، فوضعت لتلك الظروف وهذه الضرورات أحكاما خاصة، موقوتة بوقتها، ومقدورة بقدرها، فأباحت المحظورات عند الضرورات، ودفعت الحرج عن الضعفاء، والمرضى، والمسافرين، فرفعت عنهم بعض الأحكام، رفعا جزئيا أو كليا، بصفة مؤقته أو دائمة، وبهذه الأحكام الاستثنائية الواردة على الأحكام العامة، يرفع الحرج عن المؤمنين بالله، الحريصين على الوفاء بأحكام شريعته.. وهذا من رحمة الله بالناس، ولطفه بعباده:
«وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (220: البقرة) .
ثم إن فى قوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» . ما يجعل إلى الإنسان نفسه عند التطبيق العملىّ لأحكام الشريعة، أن يردّها إلى قدرته واحتماله، فما خرج منها عن قدرته، وجاوز احتماله، فقد تجاوز الله عنه، ورفع عنه الحرج فيه، شريطة أن يكون ذلك عن نية صادقة فى الامتثال لأمر الله، ورغبة خالصة فى مرضاته، بمعنى أن يحاول الإنسان أداء المطلوب صادقا مخلصا، فإن عجز أو قصّر فرحمة الله لن تضيق به، ولن تقيمه على الضر والأذى:
«لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» .
وقوله تعالى: «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» الكسب هنا غير الاكتساب.. فالكسب للحسنات والأعمال الصّالحة، والاكتساب للسيئات والأعمال السيئة.. وفى لفظ الكسب خفة، ولطف، واستقامة على اللسان، على خلاف لفظ الاكتساب وما فيه من ثقل، وقلق واضطراب..
«كسبت» و «اكتسبت» ! ولفظ «لها ما كسبت» يفيد الملكية، التي تقضى للمالك بالانتفاع بما ملك، والتصرف فيه بما ينفعه، وذلك واقع فيما يكسبه الإنسان من حسنات،