إلا إذا وقع فى نفوس الآباء وقوعا محققا أن هؤلاء الأبناء من أصلابهم، وأنهم غرسهم الذي غرسوه، ونبتهم الذي خرج من هذا الغرس.. ومن هنا تقوم فى أنفسهم الدواعي القوية لرعاية هذا النّبت وبذل الجهد له، حتى ينمو، ويزهو، ويثمر..
إن المجتمع لا يكون مجتمعا سليما، قوى البنيان، ثابت الأركان، إلا إذا انتظمت أفراده مشاعر متلاحمة من التوادّ والتعاطف بين أفراده.. والأسرة هى أول لبنة فى بناء المجتمع.. ومن هنا كان حرص الإسلام على إقامة هذه اللّبنة من مادة متماسكة، متلاحمة، مصفاة من الشوائب، محصنة من الآفات.. فربط أولا بين الزوج والزوجة بهذا الرباط الموثق، الذي لا ينحل إلا إذا عرضت له عوارض تجعل من إمساك الزوجين بهذا الرباط أمرا فيه إعنات لهما، أو لأحدهما، فكان التحلل منه أرفق وأوفق.. ثم لم يدع الإسلام هذا الرباط ينحل تلقائيا- إذا دعت دواعيه- بل جعل له أسلوبا خاصا يجرى عليه، ويتعامل الزوجان بمقتضاه، كأن تعتدّ المرأة بعد انحلال الرابطة الزوجية بالطلاق أو الوفاة، وكأن يقدم الرجل للمرأة مؤخر الصداق، ونفقة العدة، وغير هذا مما هو مفصل فى كتب الفقه.. ثم هذه الثمرة التي يثمرها الزواج من أولاد، وما يجب على الآباء عن رعاية وتربية لهؤلاء الأولاد، وهو أمر وإن كان فى فطرة الكائن الحي، إلا أن الإسلام جعله شريعة، يؤخذ بها من فسدت فطرتهم من الآباء والأمهات..
وكذلك أوجبت الشريعة على الأبناء طاعة الآباء، وبرّهم، وتقديم الرعاية الكاملة لهم عند الكبر والعجز.. وهذا أمر وإن كانت تقضى به الفطرة، وتوجبه المروءة، التي تدعو إلى مقابلة الإحسان بالإحسان، فإن الإسلام جعله شريعة ملزمة، وحقا واجب الأداء، إذا كان فى الأبناء من ذهبت مروءته، وطمست معالم فطرته، فلم يرع هذا الحق ابتداء من غير طلب..