وهكذا ينتهى أمر الناس، برحمة عامة شاملة، تنال البرّ والفاجر، وتكسو المطيع والعاصي.
ولترغم أنوف أولئك الذين يتألّون على الله، ويؤيّسون الناس من رحمة ربّ الناس، ويحتجزونها لأنفسهم، حتى لكأنها لا تتسع إلّا لهم، وأنه لو شاركهم فيها غيرهم لضاقت بهم، وقلّ حظهم منها.. فهذا من سوء الظنّ بالله، ومن ضلال فى الفهم لما لذاته من كمال مطلق.. «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» .. (32: الزخرف) ومن أسرار هذا الختام للسورة بهذه الآية الكريمة، أنها جاءت تحمل الرحمة والمغفرة- الرحمة الواسعة، والمغفرة الشاملة- وبين يديها هذه الأحكام، وتلك الحدود، التي جاءت بها سورة «النور» التي تلى هذه الآية مباشرة، وكأنها تبشر بالرحمة والمغفرة، أولئك الذين تغلبهم أنفسهم، وتستعلى عليهم أهواؤهم، فيخرجون عن حدود الله، ويواقعون الإثم والمنكر!! فسبحانك سبحانك من رب كريم، غفور، رحيم.. تعنو لجلاله الوجوه، وتستخزى فى مواجهة كرمه، ومغفرته ورحمته، النفوس، ويستحى من عصيانه، والتمرد على طاعته، أهل الحياء! وألا شاهت وجوه الذين يلقون رحمة الرحمن الرحيم بالتمرد والكفران..
وألا خسىء وخسر، أولئك الذين يغريهم لطف اللطيف، وإحسان المحسن بالتطاول عليه، والعدوان على حرماته..!