وثانيا: جاء الفعل «كذبت» مؤنثا مع أن فاعله مذكر وهو «قوم نوح» ..
وكان ظاهر النظم يقضى بأن يجىء الفعل مذكرا هكذا: «كذب» فما سرّ هذا؟ ..
والجواب- والله أعلم- أن القوم المكذبين كانوا على طبيعة واحدة من الضلال والعمى، فكأنهم- بهذا كتلة متضخمة من الظلام، لا يخرج منها إلا ما هو شر، وضرّ.. فكأنّ الفعل واقع على هذا الكيان الفاسد، أو هذه القطعة من الظلام، والضلال!.
ومن جهة أخرى، فإن الفعل «كذب مسلط على هؤلاء الأقوام الذين ذكرتهم الآية، قوم نوح، وعاد، وثمود ... » وهم بهذا أمة واحدة، فى الضلال، وإن كانوا أمما فى الأمكنة والأزمنة..
وثالثا: جاء قوله تعالى: «وَكُذِّبَ مُوسى» مخالفا للنظم، الذي كان ظاهره يقضى بأن يجىء هكذا: «وكذب قوم موسى» معطوفا على قوله تعالى «وَأَصْحابُ مَدْيَنَ» .. فما وجه هذا؟.
والجواب- والله أعلم- أن قوم موسى، وهم بنو إسرائيل لم يكذبوه، وإنما الذي كذبه هو فرعون وقوم فرعون، وهم ليسوا قوم موسى..
أما السرّ فى أنه لم يذكر فرعون وقومه فى الأمم والأقوام المكذبة بالرسل فذلك- والله أعلم- لأن موسى لم يكن من قوم فرعون، ورسل الله جميعا من أقوامهم.. فلم يكن موسى مبعوثا إلى فرعون وقومه ليقيم فيهم دينا ويؤسس شريعة، وإنما كانت رسالته إلى فرعون أن يدعوه إلى إطلاق بنى إسرائيل من يده كما يقول سبحانه لموسى وما يدعون فرعون إليه: «فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ» (47: طه) هذه هى رسالة موسى إلى فرعون..