ومن جهة أخرى، فإنه مطلوب من كلّ مسلم- حاجّا أو غير حاجّ- أن يرعى للهدى هذه الحرمة، فلا يعتدى عليه، بالسرقة، أو انتزاع ما قلد به من قلائد..
فهذا الهدى هو هدى الله، وليس أصحابه المتقدمون به إلى الله إلا رعاة له..
إنه أشبه بناقة صالح.. له حرمته، كما كان للناقة حرمتها، وقد توعّد الله سبحانه وتعالى ثمود بالهلاك، إن هم نالوها بسوء: «هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» (73:
الأعراف) .
وفى هذا يقول الله تعالى: «جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ» (97: المائدة) فقد جعل الله سبحانه وتعالى قلائد الهدى- فضلا عن الهدى نفسه- قرينة الشهر الحرام، فى حرمتها وما ينبغى للناس أن يعظموه منها..
ثم لعلك تسأل: لم هذا التعظيم للحيوان؟ ولم هذه المراسم التي تتخذ له؟ أليس ذلك ضربا من ضروب الوثنية التي جاء الإسلام لحربها، والقضاء عليها؟.
والجواب على هذا: أن الحجّ رحلة روحية خالصة، يخرج فيها الحاج من عالم المادة، إلى عالم الروح، وأن أعمال الحج التي تلقاة على طريق رحلته الروحية تلك، مقدّرة بهذا التقدير..
فالتجرّد من الملابس ولبس غير المخيط، والمهاجرة من الوطن، وترك الأهل والولد والمال، والطواف حول البيت، والسعى بين الصفا والمروة، واستلام الحجر الأسود، أو تقبيله، ورمى الجمرات- كلها أعمال ومراسم، تبدو فى ظاهر الأمر متصلة اتصالا وثيقا بذوات الأشياء، لا ربّ الأشياء.. ولكنها فى حقيقة الأمر، راجعة أولا وأخيرا، إلى الله سبحانه وتعالى، إذ كانت تلك الأعمال