بعض السرّ فى مجىء آيات الحج فى هذه السّورة التي بدئت بهذا العرض المثير لأهوال القيامة ومفازعها: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ» .. فما أقرب الشبه بين موكب الحجيج، وبين الحشر فى هذا اليوم العظيم..
إن الحجّ نفسه، هو صورة مصغرة للحياة الآخرة، التي تبدأ من الموت، ثم البعث، والحشر، والحساب، والجزاء.
ولقد أحسن الإمام النسفي، رضى الله عنه، فى تصوير هذه الفريضة، وفى عقد الشّبه بينها وبين الحياة الآخرة.
يقول- رضى الله عنه-: «فالحاج إذا دخل البادية، لا يتكل فيها إلا على عتاده، ولا يأكل إلا من زاده، فكذا المرء إذا خرج من شاطىء الحياة، وركب بحر الوفاة، لا ينفع وحدته إلا ما سعى فى معاشه لمعاده، ولا يؤنس وحشته إلا ما كان يأنس به من أوراده.
«وغسل من يحرم، وتأهبه، ولبسه غير المخيط، وتطيّبه- مرآة لما سيأتى عليه، من وضعه على سريره، لغسله وتجهييزه، مطيبا بالحنوط، ملففا فى كفن غير مخيط!.
«ثم المحرم، يكون أشعث حيران.. فكذا يوم الحشر يخرج من القبر لهفان.
«ووقوف الحجيج بعرفات، آملين، رغبا ورهبا، سائلين خوفا وطمعا، وهم من بين مقبول ومخذول- كموقف العرصات، لا تكلّم نفس إلّا بإذنه، فمنهم شقىّ وسعيد..