وثالثا: إمساك الحياة ببعض «الشيوخ» حتى يبلغوا أرذل العمر، هو وجه مقابل لحياة الطفولة فى الإنسان.. حيث ينحدر الإنسان شيئا فشيئا، ويتدلّى قليلا قليلا حتى يقع على الأرض، فيصبح كومة من اللحم، يضرب برأسه على الأرض لتفتح له رحمها، وتهيئ له مكانا فيه.. تماما كالجنين، حين تفتّح له رحم أمه.. فخرج منه..
إنها دورة فى نصف دائرة.. أشبه بالشمس فى شروقها وغروبها..
ثم لا بد أن تتم هذه الدورة لتكون دائرة كاملة، فهذا هو نظام الكون فى أفلاكه جميعا، إنها تدور فى دائرة كاملة.. والإنسان ما هو إلا كون من هذه الأكوان.. يشرق، ثمّ يغرب، وبذلك يتم نصف دورته.. أما النصف الآخر فيقطعه وراء هذا العالم- عالم الظاهر- ثم يعود ليطلع من جديد فى عالم الظهور!.
وفى التعبير القرآنى عن امتداد العمر إلى ما بعد الشيخوخة بقوله تعالى:
«أَرْذَلِ الْعُمُرِ» إشارة إلى أن هذه النهاية التي ينتهى إليها الإنسان فى مسيرة حياته، هى أرذل مرحلة، وأخسّها، وأسوؤها فى حياته.. إذ بها يتحول الإنسان إلى كائن هو مسخ لهذا الإنسان.. حيث تأخذ منه الحياة كل يوم شيئا، وتستردّ شيئا فشيئا ممّا كانت قد أعطته..
لقد استقبلته الحياة وليدا، فأرضعته من ثديها، النّماء، والقوة، والإدراك، والعلم، والمعرفة.. وما يزال هذا دأبها به حتى يبلغ غايته، ويستوفى كل ما يمكن أن تعطيه طبيعته.. وهنا تدعه الحياة ينفق مما أخذ منها، وفى كل يوم ينقص رصيده الذي ادخره، من النماء والقوة والإدراك والعلم والمعرفة.. وهكذا يتقلّص