وقد ابتلى الله سبحانه بعض أوليائه بالضر والمساءة، فكان ذلك- فى حقيقته- إحسانا إليهم، إذ سلك بهم مسالك الخير والإحسان، وزادهم من الله قربا ومن رضاه رضى وزلفى..
وانظركم لقى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم- وهو صفوة خلق الله وخاتم رسله- كم لقى على مسيرة دعوته، وفى سبيل رسالته، من أذى؟ وكم احتمل من مساءة وضرّ؟
أفرأيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين خرج إلى ثقيف، يرجو عندهم من استجابة لله ورسوله، ما أبته عليه قريش، حتى إذا التقى بسادة ثقيف، وعرض عليهم الإيمان بالله، ردّوه أشنع رد، ثم أغروا به سفهاءهم، فرجموه حتى أدموه.. ثم أرأيت إلى رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه- وقد أخذ طريقه إلى خارج ثقيف، وهو يحمل هذا الهمّ الثقيل، حتى إذا بلغ إلى حيث انقطع عنه صوت الكلاب البشرية التي كانت تنبحه، أسند ظهره إلى ظل شجرة هناك، ومولاه زيد يضمد جراحه.. ثم ما كادت نفسه تهدأ، وأنفاسه تنتظم، حتى رفع رأسه إلى السماء، وناجى ربه، بتلك الكلمات الضارعة المشرقة، التي تنبض حياة بمشاعر الإيمان، وأنفاس التسليم والرضا..
استمع إليها..
«إلهى.. أشكو إليك ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس! «يا أرحم الراحمين.. أنت رب المستضعفين وأنت ربى.
«إلى من تكلنى؟ .. إلى بعيد يتجهمنى؟ أو قريب ملّكته أمرى؟
«إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى.
«غير أن عافيتك هى أوسع لى!