والعدوان، والذي من شأن القوىّ فيه أن يبغى على الضعيف، والذي إن كفّ فيه بعض الناس أيديهم عن الناس، لم تكفّ الناس أيديهم عنهم.. وعلى هذا فإن حديث القرآن عن الدروع، هو حديث عن واقع الحياة، وعما يدور فى حياة الناس.. فامتلاك الناس لأدوات الحرب لا يغريهم بالحرب، ولا يفتح لهم بابا لم يدخلوه، فهم فى حرب دائمة.. وهذه الدروع وغيرها من أدوات الدفاع حماية للناس من الطعنات والضربات.
وثالثا: هذه الدروع أو لبوس الحرب، لها دور سلبىّ لا إيجابى، بمعنى أنها- فى ذاتها- تدفع الشر، وتردّه، ولا ينطلق منها شر إلى أحد..
كما هو الحال فى السيوف، والحراب، والمدافع، وغيرها.. إنها أداة دفاع، وليست أداة هجوم.. إنها تتلقى الضربات، ولا تضرب، ولا يضرب بها.
قوله تعالى:
«وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ» ..
هو معطوف على قوله تعالى: «وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ» .. أي وكذلك سخّرنا لسليمان الريح عاصفة.. وقد بيّنا فى الآية السابقة السرّ فى تعدية الفعل «سَخَّرْنا» بأداة المعية «مع» وعدم تعديته بلام الملك «اللام» وقلنا إن الجبال والطير لم تكن مسخرة لداود، بل كانت مسخّرة لتسبّح بحمد الله معه.. فهى مصاحبة له، فى التسبيح.. وليست مسخّرة لخدمته..
أما هنا، فإن الريح مسخرة لسليمان، خاضعة لأمره، قد جعلها الله سبحانه وتعالى، مطية ذلولا له، تجرى بأمره رخاء حيث شاء..