الأمر الذي لا يشاركه فيه كثير من العابدين المسبّحين.. وإلّا فإن الوجود كله فى أرضه وسمائه، وفيما تحتوى أرضه سماؤه، يسبّح بحمد الله، ويصلّى له، ويمجّده، كما يقول سبحانه: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» (44: الإسراء) .. وهذا هو السرّ فى قوله تعالى:
«مَعَ داوُدَ» بدلا من «لداود» .. فالجبال والطير هنا مسخرة معه للتسبيح والتمجيد، وليست مسخرة له.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ» (10: سبأ) .
وفى قوله تعالى: «وَكُنَّا فاعِلِينَ» - إشارة إلى أن هذا الفضل من الله سبحانه على داود، كان بتقديره، وبما أوجبه جلّ شأنه على نفسه من الإحسان إلى المحسنين من عباده.. وقد كان داود أحسن خلق الله صوتا.. وقد جعل «الزّبور» ترانيم، ذات نغم شجى، يسبح فيه بحمد الله.. فتتجاوب مع صوته الكائنات من جماد وحيوان..
قوله تعالى:
«وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ.. فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ» .
أي أن من فضل الله تعالى على داود، أن علمه صنعة الدروع. بعد أن ألان له الحديد، كما يقول سبحانه: «وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ» (10، 11: سبأ) .
وفى قوله تعالى: «لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ» إشارة إلى أن هذه الدروع، هى مما يدفع به الله بأس الناس، ويردّ به عدوان بعضهم على بعض.. وهى نعمة تستوجب من الناس الحمد والشكر لله رب العالمين.