منهما.. وكثيرا ما ينتصر المبطل، ويهزم المحق، فى مرحلة من مراحل الصراع الدائر بين الحقّ والباطل! فسبحان من هذا كلامه، الذي لو اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا..
قوله تعالى:
«وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً» .
نفشت فيه غنم القوم: أي عاثت فيه فسادا، وانطلقت ترعى بغير ممسك يمسك بها على مكان معين من الحرث.. وأصل النفش: الانتشار، ومنه قوله تعالى: «كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ» .. والحرث: هو الزرع، الذي هيئت له الأرض وحرثت، وبذر فيها الحب.. وليس هو الزرع الذي ينبت من غير جهد إنسانى.
وداود وسليمان، هما النبيان الكريمان، من ذرية إبراهيم، ومن أبناء يعقوب.. وداود هو الأب، وسليمان هو الابن.
وهذه الآية الكريمة تمسك بحدث من الأحداث التي وقعت لداود وسليمان.. وكان داود فى مجلس الحكم والفصل بين الناس، فيما يقع بينهم من خصومات.
وقد ذكر القرآن الكريم لداود قصة أخرى من قصص الفصل فى الخصومات وهى قصة الأخوين اللذين كان لأحدهما نعجة وللآخر تسع وتسعون نعجة..
وقد جاء فى أعقاب هذه القصة قوله تعالى: «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» (26: ص) .